صحتك تبدأ من هنا

صحي1 مدونة عربية متخصصة تساعدك على بناء نمط حياة متوازن، من التغذية الذكية إلى الراحة النفسية واللياقة البدنية، وكل ذلك بأسلوب مبسّط وموثوق يناسب كل أفراد العائلة.

اضطراب الشخصية الحدية: فهم الأعراض والتحديات وخيارات العلاج

اضطراب الشخصية الحدية: فهم الأعراض والتحديات وخيارات العلاج

 صحتك النفسية أولاً

ما هو اضطراب الشخصية الحدية ولماذا يجب أن نهتم؟

اضطراب الشخصية الحدية (Borderline Personality Disorder  BPD) هو حالة نفسية تتميز بعدم استقرار المشاعر، صعوبة في الحفاظ على الهوية الذاتية، وسلوكيات قد تكون متهورة أو مؤذية.

 يؤثر الاضطراب على علاقات الشخص وحياته اليومية وعادةً ما يبدأ بالظهور في أواخر مرحلة المراهقة أو أوائل العشرينيات.

تشير التقديرات إلى أن حوالي 1.6% من البالغين يعانون من هذه الحالة، غير أن حجم تأثيرها أكبر بكثير من هذه النسبة الظاهرة، وذلك لأن عددًا كبيرًا من المصابين لا يحصلون على التشخيص الصحيح أو الدعم العلاجي اللازم نتيجة للوصمة الاجتماعية وسوء الفهم المنتشر حول الاضطراب.

فهم BPD مهم لأن التشخيص المبكر والدعم الفعّال يمكن أن يحسّن نوعية الحياة بشكل كبير. عندما نعرف كيف تبدو الأعراض وما هي خيارات العلاج، نصبح قادرين على تقديم تعاطف حقيقي ودعم عملي للأشخاص المصابين، ونقلهم من دائرة المعاناة نحو مسارات علاجية تحقق استقرارًا وتحسّنًا مستدامًا.

 

اضطراب الشخصية الحدية: فهم الأعراض والتحديات وخيارات العلاج
اضطراب الشخصية الحدية: فهم الأعراض والتحديات وخيارات العلاج

أ / فهم الأعراض الأساسية لاضطراب الشخصية الحدية:

 عدم استقرار المشاعر والانفعالات:

أحد أبرز سمات BPD هو تقلبات مزاجية شديدة وسريعة من الفرح إلى الحزن أو الغضب خلال ساعات أو أيام. يعاني الأشخاص أحيانًا من غضب يصعب السيطرة عليه أو شعور دائم بالفراغ الداخلي.
 مثال عملي: شخص يشعر بسعادة غامرة بعد مدح عابر، ثم يتحول المشهد إلى غضب وحزن عميق بعد ملاحظة بسيطة أو سوء فهم.

 صعوبة العلاقات الشخصية:

يتسم نمط العلاقات عند الأشخاص المصابين باضطراب الشخصية الحدية بدرجة عالية من التقلّب والانفعالية، حيث قد يبدأون بالنظر إلى الطرف الآخر بنظرة مثالية مليئة بالإعجاب، لكن سرعان ما ينتقلون إلى الشعور بخيبة أمل أو رفض شديد، وكل ذلك يترافق عادة مع خوف عميق من الهجران سواء كان حقيقيًا أم متخيلاً.. هذا يؤدي إلى نزاعات مستمرة وصعوبات في الحفاظ على صداقات مستقرة.
 دراسة حالة مصغّرة: صديق يشتكي من أن شريكته تتقلب بين التعلق الشديد ثم الانعزال، مما يجعل العلاقة مرهقة للطرفين.

اقرأ ايضا : قوة التأمل للمبتدئين: كيف تبدأ رحلتك نحو الهدوء الداخلي في 10 دقائق يومياً؟

 مشاكل في الهوية الذاتية:

يعاني كثير من المصابين من شعور غير مستقر بالذات: تغيّر مفاجئ في الأهداف، القيم، أو صورة "من أنا". هذا يسبب ارتباكًا كبيرًا في اتخاذ القرارات المهنية والشخصية.

اقتباس خبير: "الهوية الهشة هي سمة أساسية"، وقد يعكسها تردّد دائم في الاختيارات والالتزام.

سلوكيات متهورة وغير آمنة:

قد يظهر سلوك متهور مثل الإنفاق المفرط، سلوك جنسي محفوف بالمخاطر، تعاطي المواد، أو قيادة متهورة. في حالات أخطر، قد تحدث محاولات انتحار أو إيذاء النفس (قطع، الحرق، إلخ).

 تُظهر الإحصاءات ارتفاعًا في محاولات إيذاء النفس بين المصابين بـBPD مقارنة بالعامة، لذا تتطلب الحالة متابعة طبية ونفسية دقيقة.

 ب / التحديات التي يواجهها المصابون باضطراب الشخصية الحدية:

وصمة العار وسوء الفهم:

يواجه كثير من الأشخاص المصابين وصمة اجتماعية تجعلهم يترددون في طلب المساعدة. كلمات مثل "مبالغ فيه" أو "درامي" تقلل من فرص الحصول على تشخيص مناسب ودعم فعّال.

الصعوبات الوظيفية والأكاديمية:

التقلبات المزاجية والمشكلات في التركيز وإدارة العلاقات تضغط على الأداء في العمل أو الدراسة. يسهل أن يفقد الشخص وظيفة أو يتراجع مستوى تحصيله بسبب النزاعات أو عدم الاستقرار النفسي.

التأثير على الصحة الجسدية والعقلية:

BPD غالبًا ما يأتي مصحوبًا باضطرابات مزاجية مثل الاكتئاب أو اضطرابات القلق، كما يزداد خطر الإصابة بحالات صحية مزمنة نتيجة للإجهاد المستمر أو سلوكيات مخاطرة.

ج / خيارات العلاج المتاحة لاضطراب الشخصية الحدية:

ملاحظة مهمة: لا يوجد علاج دوائي يُشفي BPD بشكل قطعي، لكن مزيجًا من العلاجات النفسية والدعم الاجتماعي والأدوية عند الحاجة يمكن أن يحقق تحسّنًا كبيرًا وجودة حياة أفضل.

 العلاج النفسي (العلاج بالكلام):

العلاج السلوكي الجدلي DBT)):

مصمم خصيصًا لعلاج BPD.

يركّز على أربعة مكونات رئيسية: الليقظة الذهنية (Mindfulness)، تحمل الضيق (Distress Tolerance)، تنظيم العاطفة (Emotion Regulation)، وفعالية العلاقات الشخصية Interpersonal Effectiveness)).

يعلّم المريض مهارات عملية لإدارة الانفعالات وتجنّب السلوكيات المتهورة. أظهرت دراسات أن DBT يخفض محاولات الانتحار ويقلل الزيارات الطارئة.

العلاج السلوكي المعرفي CBT)):

يساعد على التعرف على الأفكار المُشوهة وتعديل السلوكيات المتسببة في المعاناة. مفيد في معالجة الاكتئاب والقلق المصاحبين.

العلاج القائم على التعلق (Attachment-based Therapy / :(APT

يساعد في فهم أنماط العلاقات المبكرة وكيف شكلت ردود الفعل الحالية، ويركز على بناء روابط آمنة وتحسين القدرة على الثقة والتواصل.

نصيحة عملية: الالتزام بالجلسات والممارسة اليومية للمهارات هما مفتاح الفعالية. النتائج تظهر تدريجيًا الصبر والمثابرة مهمان.

العلاج الدوائي:

تُستخدم الأدوية لعلاج أعراض محددة لا كعلاج شامل للاضطراب، مثل:

مضادات الاكتئاب (SSRIs) للتقليل من الاكتئاب والقلق.

مثبتات المزاج في حالات التقلبات الشديدة.

مضادات الذهان أحيانًا للتحكم في الغضب أو التفكير المشوش.

ملاحظة: يجب أن يصف الأطباء الأدوية بناءً على تقييم دقيق، ومراقبة الآثار الجانبية. الأدوية تساعد على تخفيف الأعراض لكنها لا تغيّر بالضرورة أنماط العلاقة أو الهوية بدون علاج نفسي موازٍ.

 الدعم الاجتماعي وتنمية المهارات:

مجموعات الدعم توفر مساحة لتبادل الخبرات والشعور بالانتماء.

دعم الأسرة والأصدقاء مهم جدًا؛ تعليم العائلة مهارات الاتصال والحدود يساعد في تقليل الاحتكاك.

برامج تعليمية تُعلم مهارات التأقلم اليومية وإدارة الأزمات.

 د / نصائح عملية للأهل والأصدقاء: كيف تدعم من تحب؟

استمع بغير حكم وحاول التعبير عن التعاطف: "أفهم أن ما تشعر به حقيقي ومؤلم."

ضع حدودًا واضحة ومحترمة: الحب لا يعني تحمل الإيذاء.

شجع على طلب العلاج وادعم المريض في الحضور للجلسات.

تعلّم عن الاضطراب لتقلل الوصمة داخل الأسرة.

عند وجود خطر فوري لإيذاء النفس: لا تتردد في طلب مساعدة طبية طارئة أو التواصل مع خدمات الطوارئ المحلية.

ما لا تفعل: لا تقلل من مشاعرهم بعبارات مثل "تجاوز الأمر" أو "هي مبالغة" ، ذلك يفاقم الشعور بالوحدة ويدفع باتجاه العزل.

 التعافي والعيش حياة مُرضية مع اضطراب الشخصية الحدية

قصص نجاح وأمثلة ملهمة:

الكثير من المصابين الذين خضعوا لعلاجات مناسبة، وخاصة تلك المبنية على برامج العلاج السلوكي الجدلي DBT، أفادوا بحدوث تحولات إيجابية ملحوظة في حياتهم، إذ تراجعت لديهم نوبات الغضب بشكل ملحوظ، وتحسنت جودة علاقاتهم الشخصية، كما انخفضت محاولاتهم لإيذاء أنفسهم، ما يعكس الأثر العميق للعلاج المناسب في مسار التعافي.

إن التعافي قد يعني القدرة على إدارة الأعراض وعيش حياة مستقرة ومُنتجة وليس بالضرورة "شفاءً تامًا" فوريًا، بل تحسّنًا طويل الأمد.

خطوات عملية نحو الاستقرار:

الالتزام بعلاج نفسي مناسب وممارسة مهارات التأقلم يوميًا.

بناء شبكة دعم: صديق موثوق، قريب، أو مجموعة دعم.

وضع خطة طوارئ مكتوبة لمواجهة نوبات الأزمات (أرقام الطوارئ، خطوات عملية، شخص مسؤول).

تحديد أهداف صغيرة قابلة للتحقيق لبناء ثقة الذات تدريجيًا.

التأكيد: التعافي ممكن، لكنه يتطلب وقتًا واستمرارية. الصبر والمثابرة هما مفتاحا التغيير.

 هـ /  وفى الخاتمة : الأمل والشفاء:

اضطراب الشخصية الحدية حالة صعبة لكنها ليست حكماً نهائيًا على الحياة. مع العلاج المناسب وبصفة خاصة العلاجات النفسية الموجهة مثل DBT والدعم الاجتماعي والالتزام بخطة علاجية، يمكن للأشخاص المصابين أن يعيشوا حياة مُرضية ومستقرة. تقلل المعرفة والرحمة من الوصمة، وتجعل طلب المساعدة خيارًا أكثر سهولة وأمانًا.

إذا كنت تعاني أنت أو شخص مقرب منك من أعراض شبيهة بما ورد في هذا المقال، فالتوجه لطلب تقييم مهني هو الخطوة الأولى والشجاعة، وفي حال كان هناك خطر فوري لإيذاء النفس أو الآخرين، تواصل فورًا مع خدمات الطوارئ المحلية أو اذهب إلى أقرب مستشفى.

دعوة أخيرة: لنجعل المحادثة عن الصحة النفسية أكثر إنسانية ودفئًا، شارك هذا المقال مع من قد يحتاجه، وادعم الجهود لرفع الوعي وتقليل الوصمة حول اضطرابات الشخصية.

اقرأ ايضا : الاكتئاب: تحليل شامل للأعراض والأنواع ومسارات الدعم

هل لديك استفسار أو رأي؟

يسعدنا دائمًا تواصلك معنا! يمكنك إرسال ملاحظاتك أو أسئلتك عبر صفحة [اتصل بنا] أو من خلال البريد الإلكتروني الخاص بنا، وسنكون سعداء بالرد عليك في أقرب وقت.


أحدث أقدم

منصة دوراتك استخدم كود وطن واحصل على خصم اضافي35% بمناسبة اليوم الوطني صالح حتى نهاية سبتمبر

نموذج الاتصال